فصل: باب إِذَا أَسْمَعَ الْإِمَامُ الْآيَةَ

مساءً 1 :58
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ

وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ

وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمَثَانِي وَقَرَأَ الْأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصُّبْحَ بِهِمَا وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ الْأَنْفَالِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى فَقَالَ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع بين السورتين في ركعة، والقراءة بالخواتم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة‏)‏ هذا الباب على أربع مسائل‏:‏ فأما الجمع بين سورتين فظاهر من حديث ابن مسعود ومن حديث أنس أيضا، وأما القراءة بالخواتم فيؤخذ بالإلحاق من القراءة بالأوائل والجامع بينهما أن كلا منهما بعض سورة، ويمكن أن يؤخذ من قوله ‏"‏ قرأ عمر بمائة من البقرة ‏"‏ ويتأيد بقول قتادة ‏"‏ كل كتاب الله ‏"‏ وأما تقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف فمن حديث أنس أيضا ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه، وأما القراءة بأول سورة فمن حديث عبد الله بن السائب ومن حديث ابن مسعود أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن عبد الله بن السائب‏)‏ أي ابن السائب بن صيفي بن عابد بموحدة ابن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، وحديثه هذا وصله مسلم من طريق ابن جريج قال ‏"‏ سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي كلهم عن عبد الله ابن السائب قال‏:‏ صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون - أو ذكر عيسى، شك محمد بن عباد - أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع ‏"‏ وفي رواية بحذف ‏"‏ فركع‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏ابن عمرو بن العاص ‏"‏ وهم من بعض أصحاب ابن جريج، وقد رويناه في مصنف عبد الرزاق عنه فقال ‏"‏ عبد الله بن عمرو القارئ ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجه‏.‏

وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان - أو سفيان بن أبي سلمة - وكأن البخاري علقه بصيغة ‏"‏ ويذكر ‏"‏ لهذا الاختلاف، أن إسناده مما تقوم به الحجة‏.‏

قال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ ابن العاص ‏"‏ غلط عند الحفاظ، فليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المعروف، بل هو تابعي حجازي، قال‏:‏ وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة، وكرهه مالك‏.‏

انتهى‏.‏

وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارا، والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه، وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض الآية أخذا من قوله ‏"‏ حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى‏"‏، لأن كلا من الموضعين يقع في وسط آية وفيه ما تقدم‏.‏

نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، وقد تقدم حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين ولم يذكر ضرورة ففيه القراءة بالأول وبالأخير، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أم الصحابة في صلاة الصبح بسورة البقرة فقرأها في الركعتين، وهذا إجماع منهم‏.‏

وروى محمد بن عبد السلام الخشني بضم الخاء المعجمة بعدها معجمة مفتوحة خفيفة ثم نون - من طريق الحسن البصري قال ‏"‏ غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الآيات من السورة ثم يركع ‏"‏ أخرجه ابن حزم محتجا به، وروى الدار قطني بإسناد قوي عن ابن عباس أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة‏)‏ بفتح أوله من السعال، ويجوز الضم، ولابن ماجه ‏"‏ شرقة ‏"‏ بمعجمة وقاف‏.‏

وقوله في رواية مسلم ‏"‏ فحذف ‏"‏ أي ترك القراءة‏.‏

وفسره بعضهم برمي النخامة الناشئة عن السعلة، والأول أظهر لقوله ‏"‏ فركع ‏"‏ ولو كان أزال ما عاقه عن القراءة لتمادى فيها‏.‏

واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة، وهو واضح فيما إذا غلبه‏.‏

وقال الرافعي في شرح المسند‏:‏ قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر، قال‏:‏ ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ بمكة ‏"‏ أي في الفتح أو حجة الوداع‏.‏

قلت‏:‏ قد صرح بقضية الاحتمال المذكور النسائي في روايته فقال ‏"‏ في فتح مكة ‏"‏ ويؤخذ منه أن قطع القراءة لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال والتنحنح، ولو استلزم تخفيف القراءة فيما استحب فيه تطويلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عمر الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال ‏"‏ كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها صلى الله عليه وسلم وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، قيل سميت مثاني لأنها ثنيت السبع، وسميت الفاتحة المثاني لأنها تثنى في كل صلاة‏.‏

وأما قوله سبحانه وتعالى ‏(‏ولقد آتيناك سبعا من المثاني‏)‏ فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ الأحنف‏)‏ وصله جعفر الفريابي في ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ له من طريق عبد الله بن شقيق قال ‏"‏ صلى بنا الأحنف ‏"‏ فذكره وقال ‏"‏ في الثانية يونس ‏"‏ ولم يشك‏.‏

قال‏:‏ وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك‏.‏

ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ ابن مسعود الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه، وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق صلى الله عليه وسلم بلفظ ‏"‏ فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم النصير‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا الموضع هو رأس أربعين آية، فالروايتان متوافقتان، وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين من أولها، فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل‏.‏

قال ابن التين إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر أو ابن مسعود وإلا فلم يأت البخاري بدليل على ذلك، وفاته ما قدمناه من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة‏)‏ وصله عبد الرزاق، وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به، وإنما أراد البخاري منه قوله‏:‏ ‏(‏كل كتاب الله‏)‏ فإنه يستنبط منه جواز خمس ما ذكر في الترجمة، وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره المصنف في الترجمة، فقال ابن رشيد‏:‏ لعله لا يقول به، لما روي فيه من الكراهة عن بعض العلماء‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر، لأنه لا يراعي هذا القدر إذا صح له الدليل‏.‏

قال الزين ابن المنير‏:‏ ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر‏:‏ لكل سورة حظها من الركوع والسجود‏.‏

قال‏:‏ ولا تقسم السورة في ركعتين، ولا يقتصر على بعضها ويترك الباقي، ولا يقرأ بسورة قبل سورة يخالف ترتيب المصحف، قال‏:‏ فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته، بل هو خلاف الأولى‏.‏

قال‏:‏ وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك، لأنه محمول على بيان الجواز‏.‏

انتهى‏.‏

وأما حديث ابن مسعود ففيه إشعار بالمواظبة على الجمع بين سورتين كما سيأتي في الكلام عليه‏.‏

وقد نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك مستحب، وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى هو مذهب الشافعي أيضا، وعن أحمد والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب المصحف، واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد منهم‏؟‏ قال القاضي أبو بكر‏:‏ الصحيح الثاني، وأما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف‏.‏

ثم قال ابن المنير؛ والذي يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين انتهى‏.‏

وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة مرتبط بعضها ببعض فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن قطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن قطع في وقف تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى‏.‏

وقد تقدم في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم فلم يقطع صلاته وقال ‏"‏ كنت في سورة فكرهت أن أقطعها ‏"‏ وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله بن عمر‏)‏ أي ابن حفص بن عاصم، وحديثه هذا وصله الترمذي والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، والبيهقي من رواية محرز بن سلمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عنه بطوله، قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت، قال‏:‏ وقد روى مبارك ابن فضالة عن ثابت فذكر طرفا من آخره، وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله، وذكر الدار قطني في العلل أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلا قال‏:‏ وهو أشبه بالصواب، وإنما رجحه لأن حماد سلمة مقدم في حديث ثابت، لكن عبيد الله ابن عمر حافظ حجة، وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء‏)‏ هو كلثوم بن الهدم، رواه ابن منده في كتاب التوحيد من طريق أبي صالح عن ابن عباس، كذا أورده بعضهم‏.‏

والهدم بكسر الهاء وسكون الدال، وهو من بني عمرو بن عوف سكان قباء، وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة إلى قباء‏.‏

قيل وفي تعيين المبهم به هنا نظر، لأن في حديث عائشة في هذه القصة أنه كان أمير سرية‏.‏

وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فيما ذكره الطبري وغيره من أصحاب المغازي، وذلك قبل أن يبعث السرايا‏.‏

ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال العمدة كلثوم بن زهدم وعزاه لابن منده، لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار في حواشي مبهمات الخطيب نقلا عن صفة التصوف لابن طاهر‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم، فالله أعلم‏.‏

وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية، ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد وأمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة الآخر، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه، وفي هذا أنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال إنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه‏.‏

والجمع بين هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا، وأما من فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدا، فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها، ليس فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر، ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر‏.‏

وسيأتي ذلك واضحا في فضائل القرآن‏.‏

وحديث عائشة الذي أشرنا إليه أورده المصنف في أوائل كتاب التوحيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مما يقرأ به‏)‏ أي من السورة بعد الفاتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏افتتح بقل هو الله أحد‏)‏ تمسك به من قال‏:‏ لا يشترط قراءة الفاتحة، وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اعتناء بالعلم لأنه لا بد منها فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة، أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكلمه أصحابه‏)‏ يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكرهوا أن يؤمهم غيره‏)‏ إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث، وإما لكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يأمرك به أصحابك‏)‏ أي يقولون لك، ولم يرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له افعل كذا وكذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يمنعك وما يحملك‏)‏ سأله عن أمرين فأجابه بقوله‏:‏ إني أحبها، وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة، فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود، والحامل على الفعل المحبة وحدها، ودل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله، وعبر بالفعل الماضي في قوله ‏"‏ أدخلك ‏"‏ وإن كان دخول الجنة مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك، قال ناصر الدين بن المنير‏:‏ في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه‏.‏

قال‏:‏ وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره، وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل إلى ابن مسعود‏)‏ هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي، سماه منصور في روايته عن أبي وائل عند مسلم، وسيأتي من وجه آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قرأت المفصل‏)‏ تقدم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح‏.‏

ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم في أول حديثه من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال‏:‏ جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف ‏(‏من ماء غير آسن‏)‏ أو غير ياسن‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ كل القرآن أحصيت غير هذا، قال‏:‏ إني لأقرأ المفصل في ركعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا‏)‏ بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة، أي سردا وإفراطا في السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام، وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر‏.‏

وزاد فيه مسلم من رواية وكيع أيضا أن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وزاد أحمد عن أبي معاوية وإسحاق عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش فيه ‏"‏ ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ‏"‏ وهو في رواية مسلم دون قوله نفع صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد عرفت النظائر‏)‏ أي السور المماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعيينها‏.‏

قال المحب الطبري‏:‏ كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد، حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقرن‏)‏ بضم الراء وكسرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عشرين سورة من المفصل وسورتين من آل حم في كل ركعة‏)‏ وقع في فضائل القرن من رواية واصل عن أبي وائل ‏"‏ ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم ‏"‏ وبين فيه من رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله عشرين سورة إنما سمعة أبو وائل من علقمة عن عبد الله ولفظه ‏"‏ فقام عبد الله ودخل علقمة معه ثم خرج علقمة فسألناه فقال‏:‏ عشرون سورة من المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون ‏"‏ ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثله وزاد فيه ‏"‏ فقال الأعمش‏:‏ أولهن الرحمن وآخرهن الدخان ‏"‏ ثم سردها، وكذلك سردها أبو إسحاق عن علقمة والأسود عن عبد الله فيما أخرجه أبو داود متصلا بالحديث بعد قوله ‏"‏ كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة‏:‏ الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة ‏"‏ هذا لفظ أبي داود والآخر مثله إلا أنه لم يقل ‏"‏ في ركعة ‏"‏ في شيء منها، وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران، وقد سردها أيضا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي وائل فيما أخرجه الطبراني لكن قدم وأخر في بعض وحذف بعضها، ومحمد ضعيف‏.‏

وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل ‏"‏ وسورتين من آل حم ‏"‏ مشكل لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب‏.‏

أو فيه حذف كأنه قال وسورتين إحداهما من آل حم، وكذا قول في رواية أبي حمزة ‏"‏ آخرهن حم الدخان وعم يتساءلون ‏"‏ مشكل لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات‏.‏

وأما عم فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة فكأن فيه تجوزا، لأن عم وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة، ويتبين بهذا أن في قوله في حديث الباب ‏"‏ عشرين سورة من المفصل ‏"‏ تجوزا لأن الدخان ليست منه، ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل‏.‏

نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني القرآن، ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرا، وفيه جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها، وهذا الحديث أول حديث موصول أورده في هذا الباب، فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه، وفيه ما ترجم له وهو الجمع بين السور لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدا لعدم الفرق، وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال ‏"‏ سألت عائشة‏:‏ أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور‏؟‏ قالت‏:‏ نعم من المفصل ‏"‏ ولا يخالف هذا ما سيأتي في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال، لأنه يحمل على النادر‏.‏

وقال عياض في حديث ابن مسعود هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة فكان نادرا‏.‏

قلت‏:‏ لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل، وفيه موافقة لقول عائشة وابن عباس‏:‏ إن صلاته بالليل كانت عشر ركعات غير الوتر، وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر المتقدم‏:‏ إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة، لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان، وسيأتي ذلك في باب مفرد في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب‏)‏ يعني بغير زيادة، وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الآخريين من الرباعية، ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ‏(‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏)‏ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من خافت القراءة‏)‏ أي أسر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ خافت بالقراءة ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا‏.‏

*3*باب مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من خافت القراءة‏)‏ أي أسر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ خافت بالقراءة ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا‏.‏

*3*باب إِذَا أَسْمَعَ الْإِمَامُ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أسمع‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ إذا سمع ‏"‏ بتشديد الميم ‏(‏الإمام الآية‏)‏ أي في السرية، خلافا لمن قال يسجد للسهو إن كان ساهيا، وكذا لمن قال يسجد مطلقا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة واضح في الترجمة وقد تقدم الكلام عليه أيضا‏.‏

*3*باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يطول في الركعة الأولى‏)‏ أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب، وقد تقدم البحث فيه أيضا، وعن أبي حنيفة يطول في أولى الصبح خاصة‏.‏

وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة‏:‏ يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين‏.‏

وروى عبد الرزاق نحوه عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء‏.‏

وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائما، وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا‏.‏

وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه، والعلم عند الله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ أبو يعفور المذكور في السند هو الأكبر، واسمه واقد بالقاف وقيل وقدان، وجزم النووي في شرح مسلم بأنه الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد، وبالأول جزم أبو علي الجياني والمزي وغيرهما وهو الصواب

*3*باب جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ

وَقَالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءٌ أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الْإِمَامَ لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب جهر الإمام بالتأمين‏)‏ أي بعد الفاتحة في الجهر، والتأمين مصدر أمن بالتشديد أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء، وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة‏:‏ القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا، وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر، وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة‏.‏

والتشديد مع المد والقصر‏.‏

وخطأهما جماعة من أهل اللغة‏.‏

وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت، وتفتح في الوصل لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف، وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناها اللهم استجب عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى، كقول من قال‏:‏ معناه اللهم آمنا بخير، وقيل كذلك يكون، وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها، وقيل لمن استجيب له كما استجيب للملائكة، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعن هلال بن يساف التابعي مثله، وأنكره جماعة‏.‏

وقال من مد وشدد‏:‏ معناها قاصدين إليك ونقل ذلك عن جعفر الصادق؛ وقال من قصر وشدد‏:‏ هي كلمة عبرانية أو سريانية‏.‏

وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن ختم بآمين فقد أوجب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إلى قوله بآمين‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن‏؟‏ قال‏:‏ نعم ويؤمن من وراءه؛ حتى إن للمسجد للجة‏.‏

ثم قال‏:‏ إنما آمين دعاء‏.‏

قال‏:‏ وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول‏:‏ لا تسبقني بآمين‏.‏

وقوله حتى إن بكسر الهمزة للمسجد أي لأهل المسجد للجة اللام للتأكيد واللجة قال أهل اللغة‏:‏ الصوت المرتفع، وروى ‏"‏ للجبة ‏"‏ بموحدة وتخفيف الجيم حكاه ابن التين، وهي الأصوات المختلطة‏.‏

ورواه البيهقي ‏"‏ لرجة ‏"‏ بالراء بدل اللام كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تفتني‏)‏ بضم الفاء وسكون المثناة، وحكى بعضهم عن بعض النسخ بالفاء والشين المعجمة ولم أر ذلك في شيء من الروايات، وإنما فيها بالمثناة من الفوات وهي بمعنى ما تقدم عند عبد الرزاق من السبق، ومراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإمام داخل الصلاة، وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإمام لا يؤمن وقال‏:‏ معناه لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم، وهذا تأويل بعيد، وقد جاء عن أبي هريرة وجه آخر أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال‏:‏ كان أبو هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف، وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف، وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك، وقد وقع له ذلك مع غير مروان‏:‏ فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيربن أن أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين، والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي، بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه، وقد روى نحو قول أبي هريرة عن بلال أخرجه أبو داود من طريق أبي عثمان عن بلال أنه قال ‏"‏ يا رسول الله، لا تستبقني بآمين ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏

لكن قيل إن أبا عثمان لم يلق بلالا، وقد روي عنه بلفظ ‏"‏ أن بلالا قال ‏"‏ وهو ظاهر الإرسال، ورجحه الدار قطني وغيره على الموصول، وهذا الحديث يضعف التأويل السابق لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة عليه، وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن من الإقامة، وفيه نظر لأنها واقعة عين وسببها محتمل فلا يصح التمسك بها، قال ابن المنير‏:‏ مناسبة قول عطاء للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي، بخلاف قول المانع إنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم، وجوابه أن التأمين قائم مقام التلخيص بعد البسط، فالداعي فصل المقاصد بقوله‏:‏ ‏(‏اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ إلى آخره، والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلا ثم مجملا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا نافع أن ابن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال آمين لا يدع أن يؤمن إذا ختمها ويحضهم على قولها، قال ‏"‏ وسمعت منه في ذلك خيرا‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ويحضهم‏)‏ بالضاد المعجمة، و قوله‏:‏ ‏(‏خيرا‏)‏ بسكون التحتانية أي فضلا وثوابا وهي رواية الكشميهني، ولغيره ‏"‏ خيرا ‏"‏ بفتح الموحدة أي حديثا مرفوعا، ويشعر به ما أخرجه البيهقي ‏"‏ كان ابن عمر إذا أمن الناس أمن معهم ويرى ذلك من السنة‏"‏‏.‏

ورواية عبد الرزاق مثل الأول، وكذلك رويناه في فوائد يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، ومناسبة أثر ابن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة، وذلك أعم من أن يكون إماما أو مأموما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ في الترمذي من طريق زيد بن الحباب عن مالك ‏"‏ أخبرنا ابن شهاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنهما أخبراه‏)‏ ظاهره أن لفظهما واحد، لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة يسيرة للفظ الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا‏)‏ ظاهر في أن الإمام يؤمن، وقيل معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله‏:‏ ‏(‏اهدنا‏)‏ إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء‏.‏

وقيل معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله‏:‏ ‏(‏ولا الضالين‏)‏ ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب، واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل وفيه نظر لكونها قضية شرطية، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه وهي رواية ابن القاسم فقال‏:‏ لا يؤمن الإمام في الجهرية‏.‏

وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقا‏.‏

وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد، مع ما سيذكر قريبا أن ذلك جاء في حديث غيره، ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من حيث المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم التأمين، وهذا يجيء على قولهم إنه لا قراءة على المأموم، وأما من أوجبها عليه فله أن يقول‏:‏ كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين، ومنهم من أول قوله ‏"‏ إذا أمن الإمام ‏"‏ فقال‏:‏ معناه دعا، قال وتسمية الداعي مؤمنا سائغة لأن المؤمن يسمى داعيا كما جاء في قوله تعالى ‏(‏قد أجيبت دعوتكما‏)‏ وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا كما رواه ابن مردويه من حديث أنس، وتعقب بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه قاله ابن عبد البر، على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صح فإطلاق كون هارون داعيا إنما هو للتغليب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ معنى قوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدا وإن لم يدخلها، قال ابن العربي‏:‏ هذا بعيد لغة وشرعا‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به وإلا فالأصل عدمه‏.‏

قلت‏:‏ استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ ‏"‏ إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ قالوا فالجمع بين الرواتين يقتضي حمل قوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ على المجاز‏.‏

وأجاب الجمهور - على تسليم المجاز المذكور - بأن المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معا، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام، وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها وذلك في رواية، ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ إذا قال الإمام ولا الضالين فقالوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين ‏"‏ الحديث، أخرجه أبو داود والنسائي والسراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن‏.‏

وقيل في الجمع بينهما‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ أي ولو لم يقل الإمام آمين، وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري، وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه، لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه، فمن سمع تأمينه أمن معه، وإلا يؤمن إذا سمعه يقول ولا الضالين لأنه وقت تأمينه قاله الخطابي‏.‏

وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه، وقد رده ابن شهاب بقوله ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ‏"‏ كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد بقوله ‏"‏ إذا أمن ‏"‏ حقيقة التأمين، وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه كما سيأتي بعد باب، وإذا ترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف وهو قول الجمهور، خلافا للكوفيين ورواية عن مالك فقال‏:‏ يسر به مطلقا‏.‏

ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه، وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بآمين ‏"‏ أخرجه السراج، ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن ابن شهاب ‏"‏ كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين ‏"‏ وللحميدي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ ‏"‏ إذا قال ولا الضالين ‏"‏ ولأبي داود من طريق أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مثله وزاد ‏"‏ حتى يسمع من يليه من الصف الأول ‏"‏ ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث وائل ابن حجر نحو رواية الزبيدي، وفيه رد على من أومأ إلى النسخ فقال‏:‏ إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فإن وائل بن حجر إنما أسلم في أواخر الأمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمنوا‏)‏ استدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام لأنه رتب عليه بالفاء، لكن تقدم في الجمع بين الروايتين أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور‏.‏

وقال الشيخ أبو محمد الجويني‏:‏ لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره، قال إمام الحرمين‏:‏ يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح‏.‏

ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملا بظاهر الأمر، قال‏:‏ وأوجبه الظاهرية على كل مصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلا بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية‏.‏

ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة‏؟‏ على وجهين‏:‏ أصحهما لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة، بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه من وافق‏)‏ زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ فإن الملائكة تؤمن ‏"‏ قبل قوله ‏"‏ فمن وافق ‏"‏ وكذا لابن عيينة عن ابن شهاب كما سيأتي في الدعوات، وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان، خلافا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال‏:‏ يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظا‏.‏

ثم إن ظاهره أن المراد الملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة‏.‏

وقيل‏:‏ الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة‏.‏

والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء‏.‏

وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب ‏"‏ وقالت الملائكة في السماء آمين ‏"‏ وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضا ‏"‏ فوافق ذلك قول أهل السماء ‏"‏ ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال ‏"‏ صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ‏"‏ انتهى‏.‏

ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد تقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم في كتاب الطهارة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث ‏"‏ وما تأخر ‏"‏ وهي زيادة شاذة فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها، وكذا رواه مسلم عن حرملة وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض النسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصح، لأن أبا بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما‏.‏

وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي فروة محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عثمان والوليد ابني ساج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ هو متصل إليه برواية مالك عنه، وأخطأ من زعم أنه معلق‏.‏

ثم هو من مراسيل ابن شهاب، وقد قدمنا وجه اعتضاده‏.‏

وروي عنه موصولا أخرجه الدار قطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمر العدني عن مالك عنه‏.‏

وقال الدار قطني‏:‏ تفرد به حفص بن عمر وهو ضعيف، وفي الحديث حجة على الإمامية صلى الله عليه وسلم في قولهم إن التأمين يبطل الصلاة، لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر، ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين أي قاصدين إليك، وبه تمسك من قال إنه بالمد والتشديد، وصرح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا بطلت صلاته‏.‏

وفيه فضيلة الإمام لأن تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته‏.‏

وظاهر سياق الأمر أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك‏.‏

وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب ‏"‏ الذخائر ‏"‏ وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف‏.‏

وادعى النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ على أن المأموم يؤمن ولو تركه الإمام عمدا أو سهوا، واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه، فأما الأول فكأنه أخذه من أن التأمين مختص بالفاتحة فظاهر السياق يقتضي أن قراءة الفاتحة كان أمرا معلوما عندهم، وأما الثاني فقد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها لا أنه لا يقرؤها أصلا‏.‏